لم أكتب شيئاً منذ عدة أيام، ثلاثةٌ على وجه الخصوص واليوم كاد أن يكون رابعهم. لا أحب أنا أشارك كتاباتي شديدة القتامة لأنني لا أعتقد أن هناك من يستحق أن يقرأها، حتى أنا لا أعود إلى قرائتها بعد كتابتها.
كانت الأيام الماضية مليئة بالصراعات النفسية وبدء ذوبان الوقت في مهام العمل إن صح التعبير، فنهاراً أعمل على المهام المعطاة لي، وليلاً يدب النشاط في الزملاء ويبدؤون بالرد على الرسائل الهاتفية التي أرسلتها لهم نهاراً. مديرٌ يبدو أنه غير منظّم يرد على مواضيع لأكتشف أن الردود تخص مواضيع أخرى، قسمٌ مليءٌ بالأشخاص المشغولين والمهام المتعددة التي لا تجد منهم وقتاً كافياً لتوجيه شخصٍ مستجدٍ لديهم، ولكن يستمرون في إلقاء هذه المهام. لا تناسبني هذه الفوضى ولا أستطيع التأقلم معها فحتى نومي أصبح مزعجاً. أستيقظ قلقةً بشكل مستمر وأشعر بازدحام دائمٍ في العقل والقلب. لا أعتقد أن هناك أي سبب يبرر لأحدهم إرسائل رسائل هاتفية بعد منتصف الليل في رمضان أو غيره، طالما أن عملنا لا ينطوي على إنقاذ الأرواح.
صراعي النفسي مع العمل دائماً يأخذني بعيداً حيث لا أحب. تنقلت بين أماكن العمل والوظائف بشكلٍ متكرر: خمسة وظائف في ستة سنوات. وكنت كل مرة أستقيل فيها ينتابني إحساس رائع وعظيم بالحرية على الرغم من القلق المتعلق بالمستقبل. وأسأل نفسي: هل يعقل أن هذا هو ما سأستمر بعمله حتى أبلغ الستين؟ الحياة كبيرة والوصول إلى المعنى يحتاج إلى صفاء الذهن والعمل على صفاء القلب.
أحياناً يخيل لي العمل وكأنه أمرٌ شديد اللزوجة يصر على الاتصاق بي وأحاول إبعاده لكنني لا أستطيع. تهمني استقلاليتي المادية وحرية الاختيارات التي تأتي معهامن أبسط الخيارات إلى أكثرها تعقيداً، لكن معنى الحياة وعدم قضائها واستنفاذ طاقاتي وجهودي في وجهةٍ واحدةٍ يهمني أيضاً.
كنت أتنقل بين الأعمال اعتقاداً مني أنني أعرف مالذي يناسبني، حتى فقدت الأمل والوجهة في مكان العمل السابق والحالي، لم أتخذ أي خطوات من قبلي للتغير بل كان التغيير بسببب أسبابٍ خارجية مقدرة. كنت أسجد وأدعو ولا زلت، فالرؤية شديدة الضبابية والأرض تحت قدمي مستمرة في الحركة. هل تصوراتي عن الواقع شديدة المثالية؟ هل لا أستطيع الانسجام مع واقعي بسبب أفكارٍ ليست أفكاري؟ أم أن هذا هو شعوري الحقيقي اتجاهه؟
يضيق صدري من هذه الدائرة، وأسائل صديقتي: حتصفى؟ تجاوبني: أعتقد إنها حتصفى، لا أعرف كيف ومتى لكنني أعرف ذلك.
تقولها الست تومة بشكل أكثر شاعرية: وأرجع وأسأل عقلي هو الزمان حيروق لي؟
تعلمت من هذه التجربة الاستغناءً تماماً عن التمسك بتصوراتي عن نفسي وعن رغباتي، ورأيت رأي العين أن ما نرغب به بشدة قد يكون أكثر أمرٍ لا يناسبنا. أن من يتعلم توكيل أمره في وقتٍ مبكر ويعلم علم يقين أن الأمور تجري بمقادير الله فقط وكل ما سواه مجرد أسباب يكن من أكثر أهل الأرض راحةً، ولكنني لا أزال في بداية الرحلة.