الأسبوع الماضي كان مليئاً بجميع أنواع المشاعر، بدايةً بحماس الانتقال إلى المنزل والاستقرار والمشاعر الفياضة المتعلقة بمفارقة عائلتي بعد اعتيادي على جوارهم وقضاء عام لديهم، أعرف أنني لا أزال في نفس المدينة وسأتمكن من رؤيتهم، لكني كائن آخذ وقتاً حتى آلف المحيط ثم وقتاً يماثله للاعتياد على غيره، مروراً بالعرقلات التي “عسرت” الموضوع وبدلاً من الانتقال يوم الثلاثاء انتقلنا البارحة.
أعرف أن في كل ما يحصل خيراً قد لا أستطيع رؤيته، أعرف ذلك بعقلي لكنني أحياناً عدة لا أستطيع مقاومة شعور الدخول في وادٍ سحيق.
شعرت بالامتنان لحديقة المنزل التي احتوتني أيام الحجر الكامل، لغرف المكان التي حوت تحولات وآلاماً وأفراحاً ومحاولات، كنت في وضع ذهني ونفسي مختلف تماماً عندما جئت إلى هنا العام الماضي.
عدت اليوم إلى العمل، لا نزال نعمل من المنزل، وعندما انتبهت إلى تاريخ اليوم استوعبت أنه آخر يومٍ أقضيه في العشرينات، كنت أرغب في كتابة شيء ما مطول وتجهيز نفسي نفسياً وقضاء جلسة طويلة مع النفس لـ”عكس” ما تم خلال العام الماضي، ما الذي قمت به بشكل صحيح ومالذي يجب فعله بشكل أفضل.
كنت دائماً عندما أقرأ أو أستمع إلى رائعة الدكتور غازي رحمه الله “حديقة الغروب” أبدل الـ”خمسٌ وستون” بالعمر الحالي لي، كثيراً من الأحيان يغمرني شعور بأنني عشت حياةً طويلة مليئة بالاحتمالات والتجارب النفسية، أنني خضت الكثير ولازلت. لكنني لا أستطيع إنكار أثر التزامي مع الأخصائية عاماً كاملاً حتى الآن بفضل الله على تمكني من الاقتراب من جذوري النفسية ورؤية بصيص النور، لا أنكر أنني لا زلت أتأرجح هنا وهناك وأصل إلى القاع أحياناً عدة بفعل أمور صغيرة يكون لها أثر كرة الثلج المتدحرجة على نفسي، لكن هذا القاع لا يقارن بالهوة التي وصلتها قبل عامين تقريباً.
مر عام ونصف منذ أن قررت تغيير نمط حياتي الصحي وهذه أطول مدة دون انتكاسات طويلة المدى ولله الحمد، أخطط لتجربة نظام جديد يقلل من الاتهابات الجسدية كما ذكرت مسبقاً لكن الاتزام به سيتطلب أن أعد كل شيء بنفسي وقطع العديد من الأغذية التي تزيد من هذه الالتهابات وهذا أكثر ما يجعلني قلقة بشأنه.
لا زلت أحاول في كل الاتجهات وبكل الوسائل الممكنة، وهذه بعض خلاصات العام الماضي:
1- صاحبت الدعاء والمناجاة هذا العام كما لم أفعل من قبل ولامست أثر ذلك في الطمأنينة التي كانت كنسمات ربيع لطيف في أيام صيف ملتهبة الحرارة وفي الرسائل الخفية، وعرفت قطعاً أن التوكل على الله والإيمان بحسن تدبيره عند وقوع الحدث وقبل وصول النتيجة هو مفصل الرضى ومربطه، وأن من عرفه وأحبه فقد “عرف كل شيء وما فاته شيء وما فقد شيئاً”.
2- توصلت إلى أنه لا يابسة هنا، هو إبحارٌ ومحاولات مستمرة، وذلك كل ما أملك لنفسي، أن أحاول بكل ما أوتيت من وقت ومال وجهد وطاقة لحمايتها من التعرض للأذى حتى وإن كان ذلك بالغذاء السيئ لها، وأن أزكيها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
3- أذكر نفسي بشكل مستمر أن كل محاولة وإن كنت قد نجحت فيها لأنني اخترت الطريق الأصعب والأكثر حقيقةً إلا أن ذلك لا يجعلني أفضل من غيري الذي اختار طرقاً أخرى، لأن حتى السمات الشخصية التي تجعل ذلك ممكناً لي كالقدرة على الانضباط وكل ما صقل شخصيتي وجميع قدراتي الذهنية لم يكن لي فضلٌ فيها، وأن تكون نظرتي للآخر دائماً نظرة رحمة وتعاطف، ألا ألوم أحداً -حتى وإن كان ذلك بيني وبين نفسي- على عدم تحسن أوضاعه أياً كانت، لأن هذه الأصوات المادية البحتة التي تحاول منطقة المعاناة لتبريرها أكثرها سمّيّة على النفوس البشرية التي تنهض وتتحسن برحمة بعضها بعضاً.
4- كل ما مر به العالم هذا العام من جائحة وتباعد اجتماعي وكل ما لم يخطر على بال على الرغم من القلق الشديد الذي سببه لي بدايةً ولا يزال أحياناً، إلا أنه قربني من حقيقة الوجود كما لم يفعل أي شيء آخر، وتبدى لي مدى عشوائية العالم وضعف حيلته وأنني كنت أحمله أكثر مما يحتمل.
وأخيراً إن كان هناك ما أمتن له في نفسي وأحمد الله عليه فهو محاولاتي المستمرة وعدم الاستسلام حتى عندما كان كل شيءٍ يدعو إلى ذلك، البحث المستمر والانفتاح على التجارب المختلفة حتى وإن كانت غير مألوفة.
أتمنى أن أحظى العام المقبل بمزيد من الهدوء والسلام، وأن تكون لدي المرونة النفسية الكافية لعدم الجزع أمام صعوبات الحياة، وأن تكون لدي القدرة على تجاوز هذا الكم الهائل من الغضب الذي تفاجئني شدته ويذهلني وجوده تحت الأنقاض المنسية في كل مرة، وأتمنى أن يكون قلبي أكثر وسعاً وأن يسمح لي بالحب دون حاجز الخوف وبقايا أقرانه من الشوائب.