كانت الأيام الثلاثة الماضية مليئة بالعائلة والأحاديث، تناولت أول أكواب قهوة سوداء بعد انقطاع شهر ولكني لا أزال مستمرة في عدم تناول السكر والكربوهيدرات المكررة وأعتقد أنني وصلت إلى تصالح مع فكرة أن جسمي لا يحتاج إلى السكر المستخلص ولا ينفعه بأي حال من الأحوال وأن تواجده في الفواكه والتمر يكفيني مدى الحياة.
طاقتي تنخفض جداً بالاجتماع مع الآخرين حتى الذين أحب ويضايقني هذا جداً. استيقظت اليوم مشوشة ومنهكة، أفكر بيني وبين نفسي: ليس لدي شيء لأتحدث عنه أثناء جلسة اليوم مع الأخصائية وأشعر بهم ثقيل لأنني لم أقم بإلغاء الموعد يوم الخميس حيث أن سياسة الإلغاء تتطلب القيام بذلك قبل الموعد بيومين. بدأت الجلسة وأخبرتها صراحة أنني لا أملك ما أتحدث عنه اليوم، أخبرتني أنهم في العادة ينتظرون هذه النقطة لأن ذلك غالباً يعني أن هناك الكثير للحديث عنه إلى حد تثاقل الحديث، وكان هذا الواقع فعلاً.
سبحان الله، أستغرب ذكاء العقل ومحاولته حماية صاحبه حتى آخر رمق، محاولة التهرب من الحديث عن الأمور الأكثر ثقلاً لأن الحديث عنها منهك. كان الحديث اليوم منهكاً بالفعل، خضت في مناطق كنت أحاول عدم التطرق لها دون وعي، وصفت مشاعر لم أسمع نفسي أتلفظ بها خارج جسدي مسبقاً، وشعرت بأن روحي كانت تُعصر أثناء ذلك. بعدها شعرت بإنهاك جسدي ونفسي، لم أستطع الحراك من مكاني خلال اليوم سوى عدة مرات جرّاً للقيام بالضروريات ولم تكن لدي أي قدرة على الحديث أو الاندماج في أي شيء.
يجعلني هذا أتأمل في ضعف الإنسان ودقة خلقه، ومن ضعفه أن آلاماً قد تكون شديدة القدم إلا أنها تجثم على حياته وتنخر في جسده دون معرفة أو وعي منه، أنه كيانٌ واحد لا يتجزء لا نفسياً ولا جسدياً، وأن ماضيه يتصل بحاضره وإن قاوم ذلك وحاول الفصل بينهما.
وأحب محاولات الإنسان المستمرة للسعي لإيجاد المعنى والأفهام، محاولات الربط والبحث في نفسه وفي الآخرين.
“بينما تؤدي الحيوانات وظائفها في حتمية بالغة: تتقدم نحو فريستها حينما تسنح الفرصة، وتفر حينما تحس بالخطر، وتعيش في القطيع أو السرب أو الخلية دون فزع أو اكتئاب. فإن الإنسان دائم التردد، وسلوكه مرتبط بحريته واختياراته المتنوعة، فهو لا يمكن أن يكون جزءاً من آلة وظيفية اجتماعية مقررة مسبقاً. ثم هناك هذا الخوف والقلق الذي يشعر به الإنسان من خلال تأمله الدائم في الكون ومعضلاته، وهو ليس مجرد خوف بيولوجي مثل ذلك الذي يستشعره الحيوان، إنما هو خوف روحي كوني بدائي موصول بأسرار الوجود الإنساني وألغازه، ممتزج بحب الاستطلاع والإعجاب والدهشة والنفور، تلك المشاعر المختلطة هي العامل الخالد الأزلي المحدد للوجود الإنساني“.
– الإسلام بين الشرق والغرب