مضى ما يزيد عن أسبوعين منذ آخر مرةٍ كتبت فيها، هي أقرب للشهرين منها للأسبوعين لأنها حوت أحداثاً كثيرةً متسارعة الوتيرة مصيرية، لذا قد تطول هذه المدونة.
انتقلت لقسم آخر بشكل رسمي وكنت شديدة الانشغال لأني لازلت لم أقم بتسليم مهام القسم السابق نظراً لعدم وجود موظفين كافين لذلك، كما قام العمل مشكوراً بإلحاقي ببرنامج تدريبي مثير للفضول في جامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، هي أول تجربةٍ لي في نظام تعليمي آخر، وعلى الرغم من أنني لا أشعر بالوقت أثناء التعلم لأن طريقته تدريجية تعتمد على التفكير النقدي والتحليل، إلا أن أوراق العمل الأسبوعية التي علي تقديمها تتطلب جهداً كبيراً مني لأن أساليب التعليم التي اعتدتها هي الحفظ والتلقين لا الاعتماد على التحليل والنقد.
المؤسف أيضاً أن البرنامج ينتهي بانتهاء إجازتي التي ستبدأ بعد ثلاثة أسابيع إن شاء الله والتي أنتظرها على أحر من الجمر لأنني لم آخذ إجازة تزيد عن خمسة أيام منذ أن بدأت عملي الذي يسبق هذا في بداية عام ٢٠١٨، وكانت جميعها أسابيع متقطعة إما للانتقال من وإلى المنزل أو للدراسة لاختبارٍ ما.
لكني أهون على نفسي وأقول على الأقل دراسة دون مهام عمل، وأحاول التركيز على الامتنان لهذه الفرص
تعلمت أموراً عديدة جديدة عن صحتي التي لم تتحسن في نواحٍ عدة على الرغم من حرصي على كل ما يدخل جوفي وعلى الحركة والرياضة. يذهلني ارتباط الصحة الجسدية بالصحة النفسية، وأثر القلق طويل المدى على جميع أجهزة الجسم.
أعتقد أنه مضى ما يزيد عن شهرٍ منذ آخر مرة حضرت فيها جلسة مع الأخصائية النفسية، وهي أطول مدة أنقطع فيها عن ذلك منذ بداية الجلسات منذ عامٍ ونصف، كانت لدي مواعيد أخرى تقع في صباحات السبت ولم أرغب في حشر كل شيء لأنني أشعر بأنني أركض خلال الأسبوع وفي نهايته أيضاً دون توقف. النتيجة كانت أنها بالطبع لم تحتفظ لي بوقت موعدي وعندما تواصلت معها اليوم لأسألها عن إمكانية أخذ موعد أبلغتني بأن جميع الأوقات غير متاحة ما عدا صباحات أيام الأسبوع التي أعمل فيها ولا أستطيع الامتناع عن تلقي مكالمة أو دعوة لاجتماع ما خلالها.
حقيقةً لم ألحظ أثر الحديث أثناء الجلسات إلا حين انقطعت عنها، أشعر أن عقلي وقلبي يطفحان بالأحاديث والأفكار والتشابكات، أصابني توتر شديد حين أخبرتني بذلك وخفت من فكرة البقاء مع نفسي بنفسي مدة أطول دون أن ألقي بالفائض في مكانٍ ما. لمتُ نفسي على إلغاء الجلسات السابقة ولكنني كنت أشعر بالحاجة لعدم الركض سوى لموعد واحد يوم السبت.
العلاقة مع المعالج النفسي شديدة التعقيد، فهو الشخص الذي ستسكب له ما في جوفك وكل ما بقي في ذاكرتك منذ أن وجدت على وجه البسيطة، ستفصح له عن أشياء لم تتحدث حتى مع نفسك عنها، وليس كالغريب الذي تقابله مرةً وتخبره بعدة أمور ثم لا تراه مرةً أخرى، بل ستستمر في رؤيته إلى مدة قد تصل إلى عدة سنوات. لكن عليك في نفس الوقت أن تحافظ على مسافة نفسية كافية تمنعك من التعلق فيه كشخص أو أن تتوقع وجوده لأن العلاقة هي علاقة عملٍ كالعلاقة مع الطبيب مثلاً. وهذا أمر شديد التعقيد أشعر بثقله الآن، وكأن أحدهم قام بضغط جميع الأزرار الخاصة بآلة ما دفعة واحدة فأصبح جهاز الإنذار لا يتوقف عن الرنين. لا أعلم إن كانت هذه نوبة قلق حادةً أخرى.
أعتقد أنني أمر بجميع مشاعر التخلي والترك الجذرية التي مررت بها منذ طفولتي، يعود إلي افتقاد الثقة في وجود الآخرين وقدرتي على الاعتماد على ذلك، وأعود للانكماش على نفسي.
أضطر للحديث مع نفسي كطفل لحوح شديد الاستعجال يخاف كل شيء. أحاول تفكيك شعور القلق الغامر هذا والتعامل بمنطقيةٍ معه: سأحاول الاستمرار في الكتابة، الأمور ستكون على ما يرام في النهاية، سأستطيع التماسك ولن أعود لنقطة الصفر، سأحاول إيجاد ما أتشبث به عندما تثقلني روحي ويثقلني وجودي. لا أملك إلا أن أستمر.
لا نملك إلا أن نستمرَّ، صدقتِ👌
إعجابLiked by 1 person