الأسبوعين الأخيرين من تشرين الثاني

بدأت في كتابة هذه التدوينة منذ أسبوع ولم أتفرغ لإنهائها حتى الآن.

أستيقظ صباحاً وأحاول تشجيع نفسي: بقي يومان على الإجازة.

وكأن الإجازة هي الحل السحري المُنتظر. أعتقد أنني قد أكون “أدمنت” شعور الهروب من كل شيء عندما لا أعرف كيف أتعامل معه. أمس أثناء حديثي، رأيت الشريط الطويل أمام عيني: كل مرة أبدء عملاً ما، وبعد البداية بمدة ليست بالطويلة أبدء بالشعور بالاختناق، أشعر وكأن جزءاً من روحي وعقلي وقلبي يضمر بالتدريج مع محاولة إخضاع عقلي ونفسي لحدود العمل.

نعم أعلم أن العمل وسيلة لعدة أمور: الاستقلال المادي الذي يوسع الخيارات (وإن كانت هذه النظرة قد تغيرت بعد عدة تجارب مريرة، فالرزق المكتوب مكتوب وقد رأيت أناساً أحبهم أغرقوا أنفسهم في الأعمال رغبةً في الاستقلال والاكتفاء ليستيقظوا بعد عشرات السنين وقد فاتهم من النظر في أنفسهم والبحث فيها وفي الكون ما فاتهم، ولا تزال ذات الأسئلة عالقةً لديهم). هل لدي حل آخر لهذه المعضلة الكونية في هذا الزمن والتي يعاني منها العديد غيري؟ لا، لكنني أشعر أن هذه الوسيلة أصبحت تغرقني وتغرق تقريباً كل من أعرف.

اليوم، جائت في طريقي مقالةٌ أعتقد أنها دلتني على جذر هذا الصراع: عدم أنسنة أماكن العمل، إن صح التعبير.

“تشييء” الإنسان لتصبح قيمته كفردٍ مرهونة بالمهارات التي يمتلكها والتي تجلب المزيد من المال لأصحاب العمل، فلا يهم كونه لطيفاً مع الخلق يتعاطف معهم ويحسن إليهم طالما أن ذلك لا يؤدي إلى زيادة المبيعات. وضع الإنسان في هذه الدائرة من خيارات يختلف ظاهرها لكن باطنها متشابه، تأخذ به بعيداً عن جوهره ومعناه.

أو على الأقل، هذا الإحساس الذي ينتابني ويستمر موجوداً. لكنني لا أريد الهرب هذه المرة فقط من أجل الهرب لأن الكرة تعاد في كل مرة.

انتهى أسبوع العمل أخيراً باجتماعٍ مع صديقات المدرسة، هذا الاجتماع السنوي الثالث عشر بعد التخرج، تسبقه سنوات الدراسة منذ الصف الأول الابتدائي. غريب كيف أنه في كل اجتماعٍ سنوي نعود وكأن هذه السنين الطويلة لم تنقضِ، على الرغم من كل ما مرت به كل واحدة منا على حدة، يعود الضحك والمزاح المستمرين، الأحاديث المتداخلة والأصوات المرتفعة. كان يوماً ممطراً والجو شديد اللطف.

لا أزال أحاول تعويد عقلي أنه ليس هنالك ما يقلق عليه، ليس هناك مواعيد فائتة ولا مهام مطلوبة فأنا في إجازة لمدة ثلاثة أسابيع (أحاول ألا أفكر فيما يليها). ياه، يا للسلام الذي يصطحب هذه الفكرة. أشعر وكأن رئتي تتوسع لتستعيد القدرة على التنفس مرة أخرى.

متحمسةٌ جداً للعودة للتدوين بشكل يومي إن شاء الله، لترتيب مكتبتي وإكمال تأثيث المنزل، تجربة أطباق جديدة، رؤية الصديقات، مشاهدة وقراءة ما فاتني، الجرد السنوي للملابس، والأكثر من ذلك استشعار هذا السكون الذي تتوق روحي إليه.

عدت للاستمتاع بالجلوس فقط والاستماع للست والابتسام للانتشاء بمزيج الكلمات واللحن والأداء
يا حبيبي طاب الهوى ما علينا

2 comments

  1. writermaqbul0 · ديسمبر 7, 2020

    نص رائع جداً .

    إعجاب

اترك رداً على writermaqbul0 إلغاء الرد