أشعر أنني في الفترة الحالية أمر بمرحلة انتقالية مفصلية، تبدو الأمور في ظاهرها كما هي هادئة وادعة ساكنة، لكنني داخلياً أشعر بأنني أنتقل من مرحلة وشخص كنته واعتدته طوال السنوات الماضية إلى مرحلة “أنخل” فيها أشياء عدة كانت لصيقة بي. وكأنني كنت أرى العالم ونفسي بألوان مختلفة جداً ثم بدأت الألوان في التغير، وخلال هذا التغير هناك الكثير من التشويش وتداخل الألوان الذي علي محاولة تفنيده وتصنيفه بكل صبر وروية.
هذه المرحلة الانتقالية غير مريحة البتة، تأخذ وقتاً وجهداً وتحتم علي الجلوس مع مشاعر اعتدت الهرب منها أو تجنبها، لكنني أعرف أن في ثمارها تزكية وتصفية للنفس.
مؤخراً عدت للاستماع للشيخ محمد أيوب رحمه الله، كان الصوت الذي أنام على سماعه في طفولتي وربما لهذا ولوقتٍ طويل كان مرتبطا لدي باللحظات المفصلية التي تسبق صراع الخلود للنوم الذي نقاومه في صغرنا ونتطلع إليه حين نكبر وتزداد المسؤوليات.
في أحد الأيام أثناء مشوار الذهاب إلى العمل، استمعت إليه وهو يقرأ سورة فاطر، شعرت وكأنها المرة الأولى التي أستمع إليها فيها، وكأن أقدامي المعلقة في الهواء قلقاً بدأت في العثور على أرض صلبة، وأصبحت أصطحب سماعها هذه الأيام صباحاً كل يوم.
بعد الانتهاء من أحد الجلسات ذات العيار الثقيل التي تتركني أحيانًا مع شعورٍ مثقلٍ بحدة مشاعري وتشابكها وتساؤلات حول جدوى الحديث وما إذا كانت هذه البذرة التي أشعر في أوقات كثيرة بأنها “غير طيبة” أبداً ستتحول يوماً ما إلى شيء طيب ذا ثمر حسن أم أنها ستظل هنا دائماً، أغمضت عيني وشعرت بأن الظلمات كثيرة ومتراكمة، ثم فجأة زارتني خاطرة لم تزرني من قبل: أن الظلمات حيثما ذكرت في القرآن فهي بصيغة الجمع أما النور فهو دائماً مفرد، أن الظلمات طبقات وأشكال متعددة المصدر، أما النور وآثاره فله مصدر واحد، وأن نور السماوات والأرض هو الغالب والقاهر والقادر والشافي وإن شعرت أنني في قاع الظلمات.
أن رحلتي وإن كانت صارخة الاختلاف فهي جزء من قدري، أن ما أنا عليه الآن وما أمر به هو جزء لا يتجزء
من الرحلة وإن كان فهمي واستيعابي وعلمي قاصرين عن سبب ذلك.
وشعرت بالضوء في آخر نفق.