لم أقم اليوم بأي مهام في العمل٫ حيث كان اليوم عبارة عن نشاط اجتماعي للتواصل مع الفرق الأخرى في مقر مختلف عن المقر اليومي للعمل.
لا أحب أو أفضل هذه الأنشطة في العمل وأشعر أنها مسرحية تمثيل كبرى، فليس هناك أي ألفة أو انسجام أو صلة باستثناء العمل، أضيف إلى ذلك التاريخ السابق الغير لطيف من الاحتكاكات.
أثناء جلوسي اليوم وإلقاء أحدهم لكلمة ألح علي السؤال الذي أسكته دائماً لأنني لا أمتلك حلاً واضحاً: ما الذي أفعله؟ ما الذي أفعله هنا؟
أشعر أن كل ذرة في جسدي وروحي ترفض وجودي هنا وتتعارك معه، أناجي بصمت: يارب الانسجام والألفة والمعنى والدليل.
أشعر أنني أتحسس ما حولي في الحياة ليزداد إحساسي الداخلي هذا بالانفصال عن كل شيء، أشعر وكأنني أصارع نفسي لأحاول تقبل العالم حولي كما هو، صخب المدينة الذي لا يهدأ، ازدحام الشوارع المستمر وغضبها واستعجالها، محاولة إيجاد جذرٍ فيها يساعدني على العودة إلى الأرض كلما رفعني القلق إلى الهواء، البحث الدائم عن السكون والصمت لتهدئة النفس سريعة الفزع، تقبل كوني أشبه بنبتة تختلف اختلافاً صارخاً عن كل البقية في كل أرض زُرعت بها، مقاومة ألا يكون هذا سبباً يسمح لي بالانكماش والاختفاء دائماً.
مقاومة هذا الشعور الآلي ذا الطعم المعدني الصدئ الذي يغطي معظم العالم والأشياء والعلاقات، محاولة التذكر الدائم أنني لست شيئاً منسياً، أن مكوني الأهم هو الروح التي نُفخت في جسدي وإن كانت الموجة العامة هي تشييئها، أن هذا التعطش المستمر لما يشعرني بإنسانيتي ويشعر الآخرين بذلك منطقي.
أحاول التفكير فيما يجعلني لا أنسى ذلك وفي اتصال دائم معه.
أشتاق أحياناً كثيرة إلى الحديث مع المعالجة التي لم أتحدث إليها منذ ما يزيد عن شهرين، لكنني أرغب في الحديث معها كشخص يعرف كل شيء (البير وغطاه) دون حاجة للتوضيح. غريبة هي هذه العلاقة، شخص تسكب له قلبك وعقلك لكنك لا تستطيع رفع السماعة عليه لأنك اشتقت للحديث معه.
غريب هو الإنسان عن نفسه، وغريب كيف يستميت للوصول إليها دون وصول حقيقي.
أرى الأرض والأعمدة تموج وتتداخل في بعضها ولا أملك سوى تأملها والاستمرار في التحرك بهذا الشعور الآلي، أشعر بأنني اقتربت من النور عدة مرات، كأني مغمضة العينين في ظلام دامس ولم أرَ النور، بل أحسست بأثره على جفناي المغمضين، ولكنني كلما أمّنت له وفتحت عينايَ آملة رؤيته اختفى مبتعداً.
إلا أن دفئه على جفناي منحني بعض الأمل، أعلم أنه هناك وليس محض خيال وأحلام.