كانت الأيام أو الأسابيع الماضية -فقدت الإحساس بالزمن إلى حدٍ ما- كأمواجٍ متلاطمة تأخذني إلى أعلى ارتفاعٍ ممكن ثم تهبط بي إلى قيعانٍ مظلمة دون سابق إنذار.
متكتفة الأيدي سلمت نفسي لها لا استسلاماً لكنني أعلم أن مقاومتها ومصارعتها سيجعلها أكثر ضراوةً.
مرت ليالٍ حالكة الظلمة كنت أعتقد أنني لن أرى النور بعدها، أفزع من نومي مهمهةً بأدعية لم تكن على البال مسبقاً: يا من كشفت عن أيوب عليه السلام ضره، ونجيت نوحاً عليه السلام في اليم، وأخرجت يوسف عليه السلام من السجن، ويونس عليه السلام من بطن الحوت، أخرجني مما أنا فيه.
لا أعرف الكيفية ولا أعلم إلى أين وليس في يدي أي أمرٍ لم تكتبه لي، ولم أعد أثق برغباتي.
أشعر الآن بفضل الله أن الهواء بدأ يعود إلى رئتاي بالتدريج.
لم أعد متمسكةً كما السابق بشكلٍ محددٍ للفَرَج، كنت أضع لذلك إطاراتٍ وأهدافاً وأشكالاً، إذا حصل أو تم هذا الأمر فهذا يعني أن الفرج قد وقع وحصل. أما الآن فكل مرادي من الحياة الدنيا هي الرضى والتسليم التامين اللذان لا يشوبهما شكٌ ولا قلقٌ ولا يأس ولا ظلمة، وقلبٌ سليمٌ معافى لا تتمكن الظلمة منه.
ذهبت اليوم صباحاً إلى منطقةٍ بعيدةٍ بعض الشيء عن المدينة، أشتاق إلى هذا الصمت المدوي، ولا أتنبه إلى هذا الاشتياق إلا عند إنصاتي إليه.
ضحكت اليوم كثيراً وتحدثت وتناولت طيّب الطعام والكثير من القهوة، زرت معرضاً للفنون، تبادلت وإخوتي تشغيل أغانينا المفضلة في الطريق إليه وكان حديثنا يغطي أنغامها.
قد يكون الجو اليوم الذي وصل إلى أربع درجات هو أبرد طقسٍ مرّ على الرياض منذ مدةٍ طويلة، لكن قلبي مُلئ بالدفء من جديد كما لم يفعل منذ مدة طويلة.