
قمت بإجراء مكالمةٍ البارحة قبل صلاة العصر استثارت توتري جداً وندمت عليها، شعرت وكأنني كنت ألح في طلب شيء ما وأنا لا أحب ذلك لنفسي بل وأبغضه، ندمت على اتباع نصيحة التواصل والسؤال عن آخر ما تم. لكنني لا ألقي اللوم بالطبع لأنني من قمت باختيار إجراء المكالمة. حالياً أقف أمام عدة طرق مفترقة، كلها عبارة عن احتمالات قائمة لا شيء مؤكد، وحالة “الطفو” هذه التي لا يبدو أي شيء فيها مؤكداً أو نهائياً امتدت لمدة تزيد عن شهر، ومهما حاولت إخبار نفسي أنه “لن يحصل إلا المكتوب” وأن القلق غير مجدي، إلا أنه يبدو وكأن هذه الكلمات لا تصل إلا إلى عقلي ولا تهدئ من روعي حقاً.
وهذا على النقيض من يوم الخميس الماضي، والذي مررت خلاله بموقف عصيب أصابني حزنٌ شديد بعده، لأتلقى مكالمةً بعده بساعات غيرت حالي تماماً. تأملت ضعف حال الإنسان وتعقيده وبساطته في آنٍ واحد، كلمة طيبة من أحدهم تعيد إليك الشعور الطيب بقيمتك. مهما حاولت إنكار أن قيمتي لا تستند على كلمات الآخرين وتأكيدهم لها، إلا أن أثر الكلمة الطيبة واضح وضوح الشمس على شعوري بنفسي.
حضرت يوم الجمعة الماضي وأخواتي زواجاً بعد انقطاع أربع سنوات، سنتين بسبب الأوضاع الحالية وسنتين أخرى لأن أغلب المناسبات العائلية لا تكون في المدينة التي نقطنها.
لبست حينها عقداً من اللؤلؤ يزينه في المنتصف حجرٌ أخضرٌ كريم محاطٌ بصفٍ من الألماس، كان هدية جدتي رحمها الله لي بمناسبة زواجي قبل عدة سنوات، أحب إحساس الامتداد والتجذر والمحبة الذي يحيطني حينما أرتدي أو أستخدم شيئاً أهداه شخصٌ عزيزٌ لي بدافع المحبة الخالصة فقط.
كان زواجاً بسيطاً خفيفاً على النفس، أستثقل عادةً السّهر لأن أيامي تختلط بعدها، لكنني رأيت الأثر المختلف لأن أكون واعية بأن نيتي هي ل”جبر الخاطر”. كانت المرة الأولى التي نذهب فيها أربعتنا لمناسبة مشابهة وإحدانا هي التي تقود. وامتلئ طريق العودة بالأحاديث والضحك، اختلط التعب والسّهر عن وقت نومنا المعتاد مع انسداد القنوات السمعية جرّاء استمرار الصخب.
يحدث أن تنتهي دائماً ليالي المناسبات أياً كانت في المطبخ، ويبدأ صباح اليوم التالي هناك أيضاً. نظراً لتأخر وقت العودة قررت المبيت في منزل عائلتي بدلاً من القيادة وأنا مُتعبة. استيقظت اليوم التالي على صوت والدتي وأختي الصغرى وهنّ يتبادلن الأحاديث في صالة الجلوس، يغمر ضوء الشمس ودفئها الغرفة، وكان هذا الشعور مألوفاً ولذيذاً أعادني سنوات طويلة إلى الخلف.
كان لدي موعدٌ صباحي قررت في آخر لحظة إلغاءه، هناك لحظات صفاءٍ وسلام أود البقاء فيها والإبقاء عليها قدر الإمكان، المواعيد والتمارين في النادي يمكن تعويضها في يومٍ آخر.
أجلس مع والدتي إلى طاولة المطبخ لتناول الإفطار. بيض بال”بسطرمة”، جبنة بيضاء بالشّبت، خبزٌ طازجٌ من المخبز المديني، وشايٌ بالنّعناع والنوامي. كلما كبرنا وكبرت والدتي أصبحت تتحدث عن أمور حدثت في ماضيها لم تكن تتحدث عنها من قبل.
كانت سماء يوم السبت شديدة الجمال، وكان لكسر الروتين وللسماح بأن تخرج الأمور عن المعتاد وأخذ مقعد الراكب وإن كان ليومٍ واحدٍ أثراً مهدئاً على نفسي.
يبدأ فوزي محسون أغنيته ب”متعدّي وعابر سبيل“، التي استثار مطلعها تساؤلاً في نفسي، إذا تمكنت من المضي قدماً في أيامي وحياتي وأنا ألبس نظارة عابر السبيل، أتلمس من خلالها طريقي وأنظر من خلالها إلى مختلف الأمور، هل يمكن لذلك أن يخفف حدّة قلقي؟
وكيف يمكن الموازنة بين ذلك وبين الشعور بالاستقرار وبأن قدماي على الأرض لا في الهواء؟
أتمنى أحياناً أن يمتلك العطّار خلطةً أستطيع نقعها وشربها لأتمكن من إيجاد الوزنية المناسبة للأمور التي تبدو لي أنها متضادات.