تبدو بداية اليوم من مقعدي هذا كأنها من حقبة زمنية أخرى.
بدأته بجرعة نشاطٍ افتقدتها مدةً طويلة، بدأت بإخراج محتويات دواليب المطبخ وإعادة ترتيبها، ثم كتابة قائمة لنواقص رمضان والعيد، ثم غسيل الخضروات والفواكه لاستخدامها بسهولة خلال الأسبوع، كان يغمرني شعورٌ بالسّعة والطمأنينة.
بعد العصر وصلني خبرٌ هزّني وأخلّ توازني، في البدء كنت أشعر أنني منفصلةٌ عن هذا الحدث وأنه لا يحصل في حياتي حقيقةً، وكنت فعلاً بانتظار شيء ما يكذبه أو يقول لي أنه ليس واقعاً فعلاً.
كنت في السابق إن تلقيت خبراً مشابهاً آتصل بوالدتي فزعةً علّها تساعدني في إيجاد حلول، لكنني هذه المرة شعرت كأنني في أحد مباريات كرة القدم التي كانت تقام في تجمعات الأقارب والتي لابد من أن يتلقى أحدهم فيها الكرة على وجهه بدلاً من المرمى ويفقد إحساسه جزئياً به قبل أن يبدأ الألم بالنبض، شعرت أنني لا أرغب في الحديث مع أيٍ كان وبأن طاقة الحديث قد سُحبت مني تماماً.
بدأت بالمشي لإنهاء خطواتي بكل هدوء، وكأن شيئاً لم يتغير، ربما إذا طال تجنب الواقع قد يتغير، شعرت بنبضات قلبي تتغير بشكلٍ غير مريح، جلست على الكرسي وأخذت نفساً عميقاً، بدأت بمحاولة التعرف إلى مشاعري بدلاً من إنكارها تماماً كي لا تهجم على نفسي وجسدي دفعةً واحدةً مستقبلاً.
أشعر أنني في صحراء ضخمةٍ مظلمة لا أستطيع تحسس طريقي فيها، وليس لدي طاقةٌ للنهوض، وأن كل شيء يبدو هلامياً وبعيداً جداً.
يبدو الذهاب إلى العمل غداً والتعامل مع البشر ككابوسٍ لا فكاك منه. الآن أفهم والدتي حين كانت تحكي عن وفاة والدتها رحمها الله وهي في عمر صغير، أفهم انعدام رغبتها في الحديث أو في أي تعامل بشري وانحصار رغبتها في البقاء على سجادتها والدعاء.
لا أرغب في طلب المساعدة ولا في أي تعاطف وبانعدام المعنى من ذلك، أرغب فقط في البقاء في هذه الصحراء وتأمل العالم يمضي كما هو وأن أخدر الألم كيفما اتفق، وأن أستطيع يوماً ما أن أفهم وأن أتعايش.