تمرّ أيامٌ أشعر فيها أن الأحلام “تُغرف” من قلبي، أنها تتلاشى وأن الحال يتبدل، لكنني هذه المرة أشعر أن هناكَ شيء مختلف عن المرات السابقة.
سابقاً كنت سأقضي جل أيامي في حالة جزعٍ متصلة، لا أعلم هل هو التقدم في العمر وخوض التجارب التي لا أدري حقيقةً أيّنا خاض الآخر، أنا أم هي.
وكأن السنوات الماضية كانت تجهيزاً لما يحصل، لأنه لو حصل قبل كل ذلك لكنت فقدت اتزاني كله تماماً ودخلت منطقةً لا خروج منها.
أما الآن، فقد فقدت اتزاني أول الأيام، ثم بدأت في محاولة إعادة القراءة والفهم، وفي المناجاة المستمرة.
سابقاً كنت سأوجه غضبي اتجاه الأسباب، وسأجد لنفسي منفذاً للهرب، أما الآن أعلم أنه لم يكن ليقع لولا أنه قدرٌ محتّم.
أحاول تلمّس اليسر الذي يكون في معيّة العسر في أيامي، وحين أشعر أن صوت القلق والأفكار بدأ بالارتفاع، أوجه تركيزي للألطاف السابقة التي صاحبتني وأنا في قعر بئر الظلمة.
أعتقد أن من أشد المشاعر ثقلاً على النفس وإنهاكاً لها هي رؤيتك للصعوبات تطحن روح من تحب، وأن تكون في عجزك وضعفك البشري هذا غيرَ قادرٍ على تحريك شيء أو تغييره، وأن تجلس وتكون معه في عجزه وضعفه، أن تتعاطف بكليّتك لأنك لا تملك شيئاً آخر سوى الدعاء، وأن تحاول ابتلاع مخاوفك حتى تكون جداراً صلباً يتكأ عليه في أيامٍ ذات رياحٍ عاصفة لا تبقي ولا تذَر. أن تشعر بألمك وألمه يأكل ويشرب ويتنفس معكما لكن لا يصيبك الجزع، لأن ارتباطك النفسي بالأسباب الأرضية قد انقطع انقطاعاً تاماً فلا تأمل في أحدٍ ولا من أحدٍ سوى الأحد.
لا أعلم حقيقةً ما الذي تحمله الأيام، ولا أعلم كيف سيتركني هذا الظرف، ولا أعلم كم سيطول. لكنني أعرف وأشعر أن هناك أجزاءً مني تموت وأجزاءٌ أخرى تُعاد ولادتها، أن هناكَ شيءٌ حقيقيٌ جداً، شديد الصدق تُعاد بلورته ويُعاد صقله وتكوينه.