عيش مقمّر

ذاكرتي عن اليوم ضبابية، بدأ يومي في الساعة الرابعة والنصف صباحاً، خلدت إلى النوم مبكراً بالأمس وكان نومي مليئاً بالاستيقاظ المتكرر لأنني أعرف كمية المهام المتداخلة التي تنتظرني اليوم التالي.

جلست إلى مكتبي في السادسة لأن هناك مهاماً أحتاج للدخول في معارك معها لإنهائها، من النوع التي أعرف أنني سأنهيها بشعرٍ متطايرٍ في الأرجاء ونظارات تحمل بعض الخدوش على عدساتها جرّاء إزالتها وإعادتها وتحريكها بشكل مستمر، معلوماتٍ تتعلق بنواحٍ مالية ضريبية لا أفقه فيها الكثير وأحتاج إلى قراءة مصطلحاتها عدة مرات علّ أحد هذه الإعادات يفتح نفقاً جديداً مسدوداً في ذهني. سألت الله البركة والمعونة قبل البدء وتنبهت أنه لم يخطر لي سابقاً الدعاء بذلك قبل البدء في المهام الثقيلة، ولاحظت أثر ذلك في أنني أنهيت كل المؤجل الثقيل بنهاية الساعة السادسة والنصف مساءً.

ما أتذكره بوضوح هو انتباهي للهدوء التام في ساعة الاستراحة التي أخذتها لتناول الإفطار، صوت غليان المياه التي يُسلق فيها البيض، رائحة الخبز الذي تتحمّص أطرافه أو (تتقمّر) كما نقول في لهجتنا. أصبحت أنتبه أكثر مؤخراً إلى أن أذني تشتاق إلى سماع المصطلحات المألوفة، تصوّر إحداهنّ والدتها وهي ترتدي (شرشف) الصلاة لتسألها بعض الأسئلة، فتقول لها والدتها: (أبغى أغلّق صلاتي)، استغربت من أن هناك أمهات أخريات يستخدمن ذلك للإشارة لإنهاء السنن والفريضة المرتبطة بذلك الوقت غير والدتي وجدتي رحمها الله.

ثم سرحت -وكان ذهني يحتاج إلى السرحان- في بيت جدتي رحمها الله، في (مسافعها) الملوّنة التي كانت تحرص على اختيارها بعناية وتعطيرها لتبقيها ملتفة على رأسها بارتخاء طوال اليوم. رفاهية أن يحبك أحدهم دون مجهود وينتظرك بلا موعد وتعرف أنه يأنس بك دون شك ومخافة إثقال عليه، ويعد لك أصناف المخبوزات المنزلية ويفرح بالتهامك إياها دون أن يتطرق إلى الأثر المحتمل لذلك على وزنك.

لا أعلم إن كان شريط الذكريات يستمر بالمرور في ذاكرتي لأن الواقع أصبح يحتوي على الكثير من الأمور الغير مألوفة إضافةً لأن الكثير من المألوف أصبح فارغ المكان.

أشعر أنني على وشك اتخاذ خطوةٍ أجلتها وحاولت تجنبها مدةً طويلة، هوةٌ في قلبي تستمر في الصعود والهبوط، كشعور المقبل على القفز المظلي الذي طال مكوثه في الطائرة الصغيرة لأن أقدامه لا تحمله على القفز، ضاقت الطائرة به لكنها الخيار الأضمن، فالاحتمالات القائمة بعد القفز غير محصورةٍ ولا مضمونة، والمخاطر لا يمكن التنبؤ بها، ولا يمكن التأكد من هناك من سيستقبله على اليابسة إن وصل أو يوجهه بخطوات فتح المظلة حتى يتم ذلك بشكلٍ آمن.

أنهي الليلة بسؤال وردة (مين قلبه في إيديه؟)، وأتمنى أن يوجَّه قلبي وقلوبكم دائماً لكلّ خيْرٍ وخَيِّر، ولكل مافيه الخير.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s