“يا صاحبي الخوف ما يطمّن الخوف”
قبل عِدّة أعوام أثناء مروري في أحد المنخفضات الحادّة التي لم أكن أعي حينها ماهيتها، التقيت بامرأة حكيمة كبيرة في السّن بَدَأت بالحديث معي، توقَّفَت أثناء حديثها ونظرت إليّ وأخبرتني أنه لا داعي لأن أحاول إظهار صلابتي وادّعاء قوّتي وابتلاع رغبتي في البكاء، احتضنتني وظهرت على السطح مشاعر متضاربة ومختلطة وكثيفة إن صحت الإشارة لها بذلك، أنا التي لا أحب ولا أستطيع إظهار مشاعري أمام القريب فضلاً عن الغريب.
سألتني، لم يتملكك كل هذا الخوف؟ من أين يأتي وما مصدره؟
أخبرتها أنني أعاني من القلق المستمر، فسألتني: أهذا ما يُطلقونه على الخوف هذه الأيام؟
والآن، ما يجعلني عالقةً فيما أنا فيه، مكبلة لا أستطيع التحرك في أي اتجاه، هو الخوف.
خوفٌ من الرغبات ومن انعدامها، خوفٌ من التمني ومن الخذلان، خوفٌ من معرفة نفسي ومن أن تكون هذه المعرفة جهلاً مركّباً، خوفٌ من أن يكون ما يلي أصعب وأثقل من الحال الآني فأختار التماهي مع الحال “امسك قردك لا يجيك اللّي أقرد منّه”، خوفٌ من الحركة المستمرة التي لا تتوقف ومن الرّكود المُميت، خوفٌ من الذوبان التام ومن أن أكون كنُتوءٍ ظاهرٍ مزعج.
خوفٌ من أسمح لقلبي باستقبال المحبة ومبادلتها ومن الفقد أو البُعد الذي قد يليه أو من أن يصبح وجودي ثقيلاً، خوفٌ من الأمل ومن الخيبة الذي يخلّفها، خوفٌ من الأحلام ومن أن تكون أوهاماً.
وخوفٌ من نفسي، من ضعفها الذي لا يُقوّم، تخبطها وبحثها الدائم عن أمرٍ لا يبدو موجوداً أو ملموساً، من وصولها للأبواب المغلقة الصمّاء باستمرار، من أنها ورطتي التي أحاول التعايش معها ومن أنه لا فِكاك منها، من توقها إلى طمأنينة لا أرى وجودها هنا في هذا العالم.
وخوفٌ من الخوفِ الذي لا يهدأ إلا لِماماً.