الثالث من حزيران

أحياناً يخيل لي أن الفارق الرئيسي بين أيامي هذه الفترة هو إفطاري: قررت اليوم تناول إفطارٍ حلو المذاق وبحثت عن وصفة تشبه طبقاً كنت أتناوله سابقاً في إيرث ووجدت وصفةً مشابهة لزبدية الشوفان الساخنة المغطاة بالموز المكرمل. غيرت كثيراً في كمية المقادير بالطبع حيث أن الكمية المذكورة كثيرة بالنسبة لي كما قمت بإضافة جوز البقان، وكان حقيقةً من ألذ الأطباق التي تناولتها مؤخراً.

مضى يومي كالبارحة من حيث الانغماس في العمل، التمرين ومن ثم استكمال المسلسل الذي بدأت في حلقته الأخيرة ولا أعرف مالذي سأقوم بمشاهدته خلال إجازة نهاية الأسبوع.

قضيت وقتي قبيل المغرب في حديث رائق هادئ مع والدتي، تمنيت دائماً إمكانية الاحتفاظ بهذه اللحظات المستقطعة التي لا تشوبها شائبة وتخيفني فكرة انقضائها خاصةً بعد خوض أول تجربة وفاةٍ لشخص قريب حبيب قبل عدة سنوات وعدم عودة شعوري اتجاه الحياة لحالتها الأولية بعد ذلك.

لدي فلسفة تقول أن بحثنا البشري عن السعادة والاستقرار وما إلى ذلك هي محاولة غير واعية منا للرجوع إلى حالتنا الأولى وشعورنا الأولي قبل أول معرفةٍ، أول ألمٍ، أول فقدٍ وأول خوف.

أنهيت يومي بالاستماع لأحد الكوبليهات المفضلة للست رحمها الله وتذكر بدايات تعرفي عليها وقضاء ساعات طوال للاستماع لها دون فعل أي شيء آخر وانبهاري الذي لم تمحه السنون الطوال.

.تصبحون على خيرٍ وسعة وأرزاق وألطاف

الثاني من حزيران

لم أستطع حمل نفسي على القيام قبل السادسة صباحاً. قررت اليوم طلب كرواسون من أحد أماكني المفضلة وقمت بإعداد البيض المنزلي -بعد الاطلاع على السعرات الحرارية للبيض في المطاعم استنتجت أنهم يضعون أطناناً من الزيت أو الزبدة حتى تصل إلى هذه الأرقام- ومن شدة استمتاعي أثناء تناول الطبق لم أستطع القراءة أو مشاهدة شيءٍ خفيف أثناء الإفطار. وددت الاحتفاظ بطعم كل قضمة.

يقول عدة مختصون أن الأكل بوعي يحتاج إلى تركيز كافة حواسنا بصراً وشماً وتذوقاً ولمساً وحتى سمعاً على ما نتناوله، وأن استغراقنا تماماً في اللحظة دون القيام بأمور أخرى يجعلنا أسرع شبعاً واكتفاءً وأكثر حضوراً واستمتاعاً. إلا أن هذه العادة والتي تضيف إلى متعتي أثناء تناول الطعام كانت معي منذ الصغر وقبل حضور الشاشات -كان من غير المسموح لنا أن نأكل أمام التلفاز وأتفهم ذلك الآن بعد أن كبرت- حيث كنت وإخوتي نقتني أسبوعياً وفي معارض الكتاب مجلدات ومجلات ميكي ومدينة البط ونكون في قمة استمتاعنا أثناء قرائتها وتناول العشاء، أذكر حتى أنني كنت أحفظها عن ظهر القلب بسبب المرات والكرات التي قرأتها فيها.

لكن مؤخراً تنبهت فعلاً أنني حين أتوقف عن فعل أي شيئ أثناء تناول ما أحب، أمتلئ بشكل أسرع وأحتفظ بشبعي لوقتٍ أطول، لا أدري إن كنت سأستطيع التخلي عن متعة المشاهدة أو القراءة أثناء تناول الطعام.

كان معظم يومي مليئاً بمهام العمل، أنهيته بمشاهدة أربعة حلقات من مسلسل البارحة القصير والذي يبدو أني سأقوم بإنهائه غداً للأسف، اشتقت لشعور التسمر أمام مسلسلٍ أو كتابٍ والتطلع لأحداثهما خلال يومي، يرجعني هذا لشعور أيام الإجازات الصيفية التي كنت أقضيها بين رفعت اسماعيل والدكتور علاء عبدالعظيم وأكون في قمة استمتاعي. للدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله فضلاً لا يُنسى في إثراء مخيلتي وسخريتي وحبي للقراءة.

تصبحون على خيرٍ ورضى ورحمات وأيامٍ خفيفة ظريفة.

الأول من حزيران

هنالك تحسن في جدول نومي حيث تمكنت البارحة من الخلود إلى النوم في الحادية عشرة مساءً. أحاول الاستيقاظ يومياً في السادسة صباحاً وأرغب في تقديم ذلك حتى أستيقظ الرابعة والنصف وأعود إلى عادة المشي بعد الفجر.

تناولت نفس إفطار البارحة ويبدو أن الأيام القادمة مليئة بالجواكامولي لأنني قمت بعمل كمية كبيرة منه حيث كانت حبات الأفوكادو شديدة النضوج ولم أرغب في المخاطرة بتركها حتى تصبح غير صالحة للاستهلاك، أثناء تناول الإفطار قرأت مدونة لطيفة حميدو اللطيفة “مشاعرنا في البيت“، ساعدني ذلك في تكوين تصور عن كيف أرغب في تأثيث منزلي خاصةً أنني في طور هذه المرحلة حالياً.

قمت بعدها بتحريك سيارتي والتنقل في الحي على غير هدى، كم تبدو الحياة السابقة بعيدة ومختلفة.

كان العمل خفيفاً أيضاً ولله الحمد، قضيت كثيراً من الوقت على انستقرام واليوتوب والفضل في ذلك يعود لصديقةٍ شاركتني مقطعاً مضحكاً لفتاة أمريكية ذات أصول مصرية ووالدتها أثناء قيامهما بإعداد الفلافل ومر الوقت سريعاً وأنا أتصفح قناتها.

ذهبنا لزيارة عدة محلات أثاث لأنني أحتاج لتكوين فكرة عامة وأرغب على الأقل في الانتهاء من الأساسيات استغلالاً للتخفيضات وقبل البدء في تطبيق الزيادة الضريبية، كانت أول مرة لي في مكان عام منذ شهرين تقريباً، ارتداء الكمامة غير مريح بتاتاً كنت أشعر بالجفاف الشديد بسبب نقص الهواء خاصةً مع حرارة الجو.

يجب أن أكون قائمة بكل ما أحتاجه من قطع وأن أضع رسماً أولياً في ذهني لأنني قررت ألا أقوم بالشراء هذه المرة فقط لأن علي تعبئة الفراغات، بل أتمنى أن يكون نظري ممَتعاً بالبساطة والجمال.

أنهيت يومي بالمسلسل القصير Little Fires Everywhere وقد شدني كثيراً لاستكماله.

تصبحون على خيرٍ وعافيةٍ وألطاف ورحمات

الواحد والثلاثون من أيار

بدأت يومي مبكراً حيث استيقظت في السادسة صباحاً على الرغم من أن الأرق صاحبني ليلة البارحة، اليوم هو أول يوم عمل بعد إجازة العيد وقد عاد العديد للعمل في مكاتبهم ولكننا لا نزال نتبع نظام العمل عن بعد. رغبت في تناول كرواسون بالأومليت لوجبة الإفطار إلا أن المكان المفضل لدي لعمل الكرواسون استمر في رفض طلبي عن طريق التطبيق فقررت تناول بقايا خبز البريوش بعد تحميصه مع قليل من الجواكامولي المنزلي والبيض. تناولت أول كوب لاتيه ساخن منذ بداية رمضان حيث كنت لا أتناول إلا القهوة العربية خلاله والتزمت بشرب العصير الأخضر يومياً.

أنجزت بعض مهام العمل وكان يوم عملٍ خفيف عامةً. بعد الظهر استقبلت مكالمة تحمل خبراً غير سار غيَّر شعوري اتجاه اليوم بأكمله. أتمنى أن أتمكن يوماً ما من امتلاك مرونة نفسية عالية وحالة اتزان تمنعني من التأرجح بين أفكاري عند مواجهة صعوبات الحياة وابتلائاتها. أحاول حالياً أن أسمح للمشاعر الغير مريحة بالتواجد دون مقاومتها أو محاولة جعلها أكثر منطقية أو إشغال نفسي بأمر آخر. الجلوس والتواجد مع هذه المشاعر الغير مريحة التي تأخذني إلى أماكن ومواقف متجذرة هو أمرٌ شديد الصعوبة.

أذكر نفسي أن هذا ديدن الحياة الدنيا، لا مستقر فيها سوى التغير والتقلب، وأن خزائن الأرزاق وما تؤول إليه المصائر ليست بيد المخلوقين وإن بدت لأعيننا أحياناً كذلك كسرابٍ بقيعة. ولكنني أحياناً لا أمتلك سوى أن ينتابني شعور سفينة متعبةٍ طافية في عمق البحر دون مرساة ولا شاطئ يلوح في الأفق.

قبيل المغرب كان لدي موعدٌ -عن بعد- مع أخصائية تغذية أثارني اهتمامها وحديثها عن الصحة الشمولية وعلاقة الإنسان بالغذاء، وحمداً لله لم تخب نظرتي فقد تحدثنا عن تاريخي مع إنقاص الوزن، العلاقة بالغذاء، الشعور بالذنب، أرقام الميزان والمفاهيم المختلة للصحة والغذاء وتوقعات المظاهر، أعتقد أنها أول مختص -وقد زرت مختصين بعدد شعر رأسي- يسألني: لماذا أريد الوصول إلى هذا الوزن بالتحديد؟

اتفقنا أن أحاول خلال الفترة القادمة أن أصبح أكثر وعياً واستمتاعاً بما أتناوله وألا أتعلق بالشعور بالذنب، وهذا ما سأقوم به بعون الله.

تصبحون على خيرٍ وألطاف ورحمات.

الثلاثون من أيار وعودةٌ بعد سباتٍ صيفي

كل عام والجميع وأحبابهم بخيرٍ ورضى وعافية وألطاف ورحمات.

حقيقةً أشعر كأنني كنت في غيبوبة ما وبدأت أستعيد وعيي للتو. بالطبع كان رمضان وعيد الفطر الماضيين مختلفين تماماً ومليئين بالمشاعر المختلطة المتزاحمة. كانا دائماً مزدحمين بالبشر ليصبحا مزدحمين بالأفكار. لاحظت أن قلة الاحتكاك بالناس جعلني أتفكر أكثر في مفهومي للعلاقات والقرب، رأيتُ كيف أن العلاقات الإنسانية شديدة التعقيد، وكما أننا نستمد قوتنا النفسية كثيراً من الأحيان منها إلا أنها في المقابل تمتلك قدرةً مخيفةً على إثارة مكامن الضعف والقلق فينا. لذا شعرت أن حقيقة حاجتنا لتلك العلاقة التي لا تشوبها شائبة والتي لا يمكن أن تكون يوماً مصدر أذى أو تحطيم، بل كل ما ازداد القرب فيها ازددنا حباً وشفاءً ونوراً، هي رحمةٌ من اللطيف الرحمن لنفوسنا وقلوبنا أولاً.

في المقابل، كان حديثي مع الأخصائية اليوم يدورعن كيفية إيجاد اتزانٍ بين القدرة على الاتصال العميق بالآخر والانفتاح في العلاقة والقدرة على إظهار الضعف حتى تكون علاقة حقيقية صادقة وداعمة، وبين عدم القلق والخوف من فكرة إمكانية تخلي الآخر عنا أو رحيله لأي سبب والقدرة على استعادة التوازن عند حدوث ذلك دون استمداد قيمة الذات من الآخر فقط والاعتماد في ذلك عليه.

أتممت اليوم صيام الأيام المتبقية لي من رمضان بفضل الله. وممتنةٌ جداً لأنني استمريت في تماريني على الرغم من صعوبة إيجاد الوقت والطاقة المناسبين لأنني أحتاج إلى وقت طويل لأقوم بها حيث لا أزال مبتدئةً ولا أرغب بالضغط على جسدي والانتهاء منها سريعاً فحسب، فقد جربت النتائج الوخيمة لذلك.

اشتقت إلى الكتابة كثيراً، كنت أتمنى لو أن هناك مسجلاً يدوّن الأفكار. أتمنى أن أعود ابتداءً من الغد إلى الكتابة المنتظمة.

ممتنةٌ اليوم للضحك مع الأخوات وللأدوات والآلات والتقنيات التي نقلت إلينا الموسيقى عبر الأزمان والسنين لتكون لدينا هذه القدرة على الاستماع لهذا الكم الهائل المتنوع منها في أي وقت.

أحب أغاني أبو بكر سالم -رحمه الله- لأن فيها شيئاً ما يبعث على البهجة دائماً، أتذكر استنكاري لكل المعجبين بصوته في البدء، ولكنه يمتلك حالةً خاصةً به تحبها وترى جمالها عندما تتكرر على مسامعك عدة مرات، أنهيت يومي بالمشي والاستماع لـكما الريشة.

منتصف أيار

أكاد لا أصدق مضي قرابة أسبوعين منذ آخر مرة دونت فيها، أرغب في الالتزام بالتدوين حتى وإن لم يتعدى ذلك سطرين. مضت العديد من الأفكار والتأملات دون أي تدوين حتى في دفتري على الأقل. الوقت سريع الاختفاء، أقضي نهاري كاملاً في العمل من الساعة الحادية عشر صباحاً وحتى الساعة الخامسة وأحياناً السادسة مساءً، أمشي لمدة نصف ساعة تقريباً، يؤذن المغرب، أتناول الإفطار وأجلس مع عائلتي قليلاً لأجدها قد أصبحت التاسعة والنصف، أكمل خطواتي وأتمرن، أحاول إكمال ختمتي، أنام لساعتين قبل وقت السحور، أستيقظ لتناول السحور وصلاة الفجر، أنام بعدها لأجد اليوم التالي قد بدأ، وهكذا دوليك.

أتمنى الاحتفاظ بشعور ما بعد التمرين المنعش لأشعر بهذه الطاقة قبل البدء به ولا أحاول التحايل على نفسي حتى أبدأ، أعتقد أن جانباً من الموضوع هو الخوف على ركبتي التي قطعت شوطاً حتى أخفف ألمها عن طريق العلاج الطبيعي الذي اضطررت لوقفه بسبب الظروف الحالية. يا لتعقيد ودقة تركيب جسم الإنسان.

وللأسف أغلب المدربات الشخصيات اللاتي اشتركت معهن سابقاً لا يعرفن التعامل معها بشكل صحيح، إضافة إلى أن أغلب التمارين الموجودة على الإنترنت حتى تلك التي تدعي أنها لأصحاب الإصابات قد تضر أكثر مما تنفع، لذا تعلمت الاستماع لصوت جسدي من ناحية الألم والقدرة.

مضت نهاية الأسبوع بشكل سريع جداً قد يعود السبب إلى أنني لا أتطلع إلى يوم الأحد حقيقةً. ترهقني وتقلقني الفوضى. لكن قد تكون فوضى العمل التي بدأت منذ شهرين تقريباً جعلتني أنتبه إلى أن قلقي الذي ظننت أنني أصبحت أستطيع التحكم به بشكل أفضل لا يزال موجوداً، لكن العوامل المثيرة له اختفت لفترة، وعندما عادت عاد بكل قوته إلى جسدي ونومي وذهني وضربات قلبي.

لا أشتاق إلى هذا الشعور المزعج، الأفكار الصاخبة المتراكضة، ضربات القلب التي تكون خارج الرتم، الرغبة في الانعزال لأقنع نفسي بعدم عقلانية هذه المشاعر وأن كل شيءٍ مؤقت مهما طال، وهذا أحد الأمور القليلة المحكوم بقطعيتها في الحياة.

عند قرائتي البارحة لهذه الآية: “أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا“، أغلقت عيناي وحاولت رسم هذه الصورة، لا قلق ولا جزع، لا مخاوف ولا آلام، لا فوضى أو ضياع، وشعرت بشوقٍ عارم لها.