الثاني من أيار

حاولت دفع نفسي لترك السرير قبل الساعة الحادية عشر مُحاولةً إصلاح ما أفسدته في عطلة نهاية الأسبوع.

وبسبب الخطأ الذي أرتكبه دائماً: حشو مجففة الملابس حتى أنتهي من هذه المهمة بأقل خطوات ممكنة، خرجت الملابس بالأمس وهي مجعدة بشدة (تبدو الكلمة شديدة الغرابة عند تكرارها)، وقضيت نصف نهاري في كيّها وأنا أتأمل في أول إنسان قرر أن الملابس يجب أن تكون خالية من التجاعيد حتى تكون مرتبة.

حتى أخفف وقع هذه المهمة، استمعت إلى حلقة من بودكاست بريني براون عن الوحدة والعلاقات، تطرقت فيها مع الضيف (وهو طبيب) إلى عدة جوانب مثيرة للاهتمام تتضمن وجود ثلاثة أبعاد للعلاقات البشرية: الصداقة، العائلة والمجتمع حتى تُشبع حاجة الإنسان للتواصل الاجتماعي، فقد يكون الشخص في زواجٍ رائع أو يكون له والدين مثاليين لكن وجود نقص في أحد هذه الأبعاد سيشعره بالوحدة، كما أنه يتعزز شعورنا بالوحدة عندما نتواجد حول أشخاص نحبهم ويحبوننا إلا أننا لا نستطيع إظهار حقيقة أنفسنا أمامهم. وحتى يكون لتواصلنا مع الآخرين أثر إيجابي يجب أن يكون نابعاً من رغبة في تكوين علاقة صادقة معهم وليس من أجل الحصول على رضاهم وتقبلهم، وتطرق إلى علاقة الوحدة بالثقة بالنفس، حيث أن من يشعر بالوحدة يعتقد أنه كذلك لأنه لا يستحق محبة أحدهم.

كيف للعلاقات البشرية، وهي أمرٌ بسيط لا نوليه كثيراً من الاهتمام أن يكون له هذه القدرة المهولة على مساعدة الإنسان على التشافي من آلامه وصدماته. أننا نولد برغبتنا الطبيعية في التواصل مع الآخرين ثم نغطى بطبقات من توقعات الآخرين، الاعتقادات المجتمعية والخزي من التجارب التي فشلنا فيها. والشعور بالخزي الذي تم توريثه من الحاجة للآخر، والذي يجعلنا نمضي قدماً في الحياة معتقدين أن حاجتنا للآخر تقلل من شأننا. وأخيراً تحدثا بإيجاز عن بحث استرعى فضولي وهو بحث جوليان هولت عن الوحدة وعلاقتها بالأمراض الجسدية.

رنّ هذا الحديث المتبادل جرساً في ذهني، هذا الحاجز الذي أضعه دائماً في علاقتي مع الآخر دون قصد خوفاً من إظهار الضعف والحاجة، الحاجة للاستقلالية التامة بالمشاعر حتى لا تُؤذى خوفاً من الشعور بالألم، وضع مشاعري في صندوق عند تعاملي مع من أحب تحسباً لاختفائهم المفاجئ الغير مبرر.

أعتقد أن إظهار الضعف البشري والحاجة للآخر هو ما يجعل أي علاقة صادقة خالية من التكبر وترسبات المخاوف، وأن أشجع الناس وأقواهم هو من يتمكن من إظهار ضعفه لمن يحب، وأوفرهم حظاً هو من يجد من يجيد احتواء هذا الضعف بمحبة دون استنقاص أو خذلان، ولا أستطيع نسيان الصورة الذهنية التي رسمتها للحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يقول للسيدة خديجة “زملوني زملوني”.

أنهيت يومي بالاستماع إلى القلب يعشق كل جميل، علاقتي بهذه الأغنية -والتي أعدها تجربة أكثر من كونها أغنية فقط- شديدة العمق فقد كانت خلفية لعدة مراحل في حياتي. أستمع إليها وأتذكر فترات مظلمة كنت أظنها سرمدية وكانت “اللي هويته اليوم دايم وصاله دوم” تبعث على طمأنينة استمرار الوصل بطبيب الأرواح والقلوب حتى إن انقطع الوصل بغيره، وأن الأُنس به سبحانه غاية الأمنيات ومنتهاها. أستمع إليها وأشعر بالحب الغامر في “سلّم لنا تِسلم.”

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s